فاطمة تبعمرانت: شاعرة النضال والصوت الفني لخطاب الحركة الامازيغية
فاطمة تبعمرانت، أيقونة من أيقونات الفن الأمازيغي، ليست مجرد فنانة عابرة في المشهد الفني المغربي، بل كانت ولا تزال رمزًا للنضال، وقائدة في مسيرة الدفاع عن حقوق الإنسان وخصوصًا الأمازيغي. ولدت في عام 1962 في قرية صغيرة تدعى إيدواسعيد بمنطقة سوس في الجنوب المغربي، وسط بيئة بسيطة تحتفي بثقافتها وتقاليدها الأمازيغية. منذ نعومة أظافرها، بدأت تبعمرانت تكتسب حبًا كبيرًا للشعر والموسيقى الأمازيغية، اللذين يعتبران عنصرين أساسين في تكوين الشخصية الثقافية في تلك المنطقة.
الفن الهادف وقضايا الإنسان
منذ بداياتها الفنية، اتسمت أعمال فاطمة تبعمرانت بعمق فلسفي واجتماعي يجعلها تتجاوز الفن السطحي إلى مستوى من الفكر الذي يناقش قضايا الإنسان بشكل عام. تبعمرانت تميزت بأنها لم تكن تكتفي بالغناء من أجل الترفيه، بل استخدمت فنها لإيصال رسائل قوية عن العدالة والمساواة وحرية الإنسان. انطلاقًا من كونها شاعرة ملهمة، نجد أن أغانيها تركز على قضايا مهمة مثل حقوق المرأة، محاربة الغلو الديني، ومحاربة التطرف.
لقد كانت تبعمرانت صوتًا مدويًا للمهمشين، تنقل هموم الأمازيغ ومعاناتهم في أغانيها، وتناقش في الوقت ذاته قضايا إنسانية أوسع مثل السلام، التعايش، والمساواة. بهذا، تجاوزت تبعمرانت حدود الهويات المحلية وأصبحت منارة للفكر الحر الذي يسعى لتحرير الإنسان من قيود الظلم والتهميش، سواء كان بسبب الهوية أو الدين أو الجنس.
محاربة الغلو الديني والتطرف
كان موقف تبعمرانت ضد التطرف والغلو الديني واضحًا في العديد من أغانيها. دعت إلى فهم متوازن للدين، يقوم على التسامح والاعتدال، ويعلي من شأن الإنسانية قبل كل شيء. هذا الموقف انعكس في شعرها الذي تحدث عن السلام والمحبة بين الناس، بغض النظر عن أديانهم أو خلفياتهم. لم تكن تخشى مواجهة الأفكار المتشددة التي تحاول تقييد حرية الفرد وتستغل الدين لتحقيق أهداف سياسية.
قضية المرأة في أعمالها
من القضايا التي أبرزتها تبعمرانت بوضوح في أغانيها هي قضية المرأة. في مجتمع تقليدي يفرض قيودًا على المرأة، كانت فاطمة من أولئك الذين رفضوا الصمت، ورفعوا أصواتهم دفاعًا عن حقوق المرأة. في أشعارها وأغانيها، نرى تبعمرانت تتحدث عن معاناة المرأة في المجتمع، وكيف تعيش تحت ضغط العادات والتقاليد، لكنها في الوقت ذاته تدعو إلى التحرر والمساواة. من خلال كلماتها، سعت إلى تمكين المرأة الأمازيغية والمغربية بشكل عام، وجعلتها قضية مركزية في فنها.
الأغاني الفلسفية والمعقدة
رغم أن فاطمة تبعمرانت تغني باللغة الأمازيغية، فإن الكثير من أغانيها تعتبر معقدة حتى بالنسبة للبعض من أبناء قومها. تعمدت فاطمة أن تدمج الفلسفة في كلمات أغانيها، وهو ما يجعلها تحتاج إلى تأمل وتفكير عميق لفهمها.
كانت تبعمرانت تدرك أن الفن يجب أن يتجاوز البساطة أحيانًا، ليكون وسيلة للتفكير والتأمل في القضايا الإنسانية.
من خلال الأغاني الفلسفية، كانت تبعمرانت تفتح آفاقًا جديدة للمستمعين، وتدفعهم للتفكير في مفاهيم مثل الحرية، الوجود، والمعنى الحقيقي للحياة.
حب الجمهور ولقب "القديسة"
ما يميز فاطمة تبعمرانت هو ارتباطها العميق بجمهورها. لقد استطاعت أن تخلق رابطًا قويًا مع الناس، ليس فقط بفضل موهبتها الفنية، بل بفضل صدقها ونضالها من أجل قضاياهم. جمهورها يعشقها لدرجة أنهم وصفوها بـ"القديسة"، في إشارة إلى مكانتها المقدسة في قلوبهم. هذا الحب يعود إلى تفانيها وإصرارها على إيصال رسائلها النبيلة من خلال الفن، وعدم تهاونها أمام القضايا التي تؤمن بها.
لقد أصبحت تبعمرانت ليست فقط فنانة تؤدي الأغاني، بل أيقونة نضالية تمثل صوت الأمازيغ وكل من يؤمن بالحرية والمساواة. جمهورها يرى فيها نموذجًا للمرأة القوية، التي ترفض الاستسلام للظروف، وتحمل رسالة الأمل والتغيير.
فاطمة تبعمرانت ليست مجرد فنانة، بل هي صوت الإنسان الأمازيغي والمرأة الحرة التي لا تقبل التقييد. بأغانيها الفلسفية وقصائدها العميقة، أثبتت أن الفن يمكن أن يكون وسيلة للتغيير، وأنه يمكن أن يحمل رسائل مهمة تتجاوز حدود الجغرافيا والثقافة. إنها ليست فقط فنانة تغني، بل هي شاعرة، مناضلة، وقائدة فكرية تضيء الطريق لكل من يبحث عن الحرية والكرامة.
ايوب شركان.✍🏻