الاحتفال برأس السنة الأمازيغية: تاريخ من النضال جعل منها عيدًا وطنيًا
يُحتفل برأس السنة الأمازيغية (عيد الناير أو إيض يناير) في المغرب والجزائر وبعض الدول المغاربية في 1 يناير من كل عام، وهو مناسبة تُمثل تاريخًا طويلًا من النضال من أجل الحفاظ على الهوية الأمازيغية والثقافة الأصلية. مع مرور الزمن، تحوّل هذا اليوم من مجرد احتفال تقليدي في بعض المناطق إلى عيد وطني يعكس تماسك الشعب الأمازيغي وأصالته. في هذا المقال، سنتناول كيف أن هذا الاحتفال أصبح جزءًا من الثقافة الوطنية، وكيف ساهم النضال الأمازيغي في جعله يومًا يحتفل به الجميع.
التاريخ العميق لرأس السنة الأمازيغية
يعود تاريخ رأس السنة الأمازيغية إلى الفترة الفلاحية القديمة، حيث كان الفلاحون الأمازيغ يعتمدون على التقويم الفلاحي لزراعة الأرض وحصاد المحاصيل. يعتبر هذا اليوم بداية السنة الزراعية الجديدة، وهو يتزامن مع بدء موسم الحصاد والزراعة في المناطق الأمازيغية. ويعتقد أن هذا التقويم الأمازيغي يعود إلى حوالي 950 قبل الميلاد، أي منذ تأسيس الملك الأمازيغي شاشناق لمملكة القرطاجيين في الشمال الإفريقي.
ومع مرور الزمن، أصبحت رأس السنة الأمازيغية مناسبة تُحتفل بها العديد من الأسر والمجتمعات الأمازيغية في المغرب والجزائر، حيث يتناولون فيها أطباقًا تقليدية مثل الكسكس، الذي يعد من أشهر الأطباق الأمازيغية التقليدية في هذا اليوم.
النضال الأمازيغي لجعل "إيض يناير" عيدًا وطنيًا
على الرغم من أن رأس السنة الأمازيغية كانت تُحتفل بها في السر بين الأمازيغ في المناطق الجبلية والريفية، إلا أن النضال المستمر من قبل المجتمع الأمازيغي ساهم في جعل هذا اليوم عيدًا وطنيًا. ففي المغرب، بدأ النضال الأمازيغي للاعتراف بهذا اليوم من خلال الأنشطة الثقافية والتعليمية والإعلامية التي تهدف إلى إبراز الهوية الأمازيغية وحمايتها من التهميش.
كانت اللغة الأمازيغية، إلى جانب الاحتفالات الثقافية مثل الرقصات الشعبية مثل أحواش، أحيدوس، وأحناك، جزءًا أساسيًا من هذا النضال. فبعد سنوات من العمل المستمر من الجمعيات الأمازيغية ونشطاء الثقافة، تم الاعتراف في البرلمان المغربي بالـ 1 من يناير كيوم عيد وطني. في عام 2011، أقر الدستور المغربي الجديد بتفعيل اللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية، مما يعكس احترام الثقافة الأمازيغية.
البرلمان المغربي ودوره في الاعتراف بالعيد الأمازيغي
ساهم البرلمان المغربي في الاعتراف برأس السنة الأمازيغية، حيث أصبح الموضوع جزءًا من الحوار الوطني حول الهوية الوطنية والتنوع الثقافي في البلاد. بعد مطالبات من جمعيات المجتمع المدني والنشطاء الأمازيغيين، تم إعلان 13 يناير رسميًا عيدًا وطنيًا في المغرب في عام 2021، وهو بمثابة اعتراف رسمي بالثقافة الأمازيغية في المغرب. ويُعتبر هذا التاريخ نقطة فارقة في تاريخ النضال الأمازيغي، إذ أصبح إيض يناير عيدًا يُحتفل به بشكل رسمي على المستوى الوطني.
التقاليد والطقوس المرتبطة بعيد رأس السنة الأمازيغية
يتميز احتفال رأس السنة الأمازيغية بالعديد من الطقوس والعادات التي تعكس تاريخ وثقافة الأمازيغ. ففي هذا اليوم، تجمع العائلات الأمازيغية في المغرب والجزائر حول المائدة التقليدية التي تتنوع فيها الأطعمة، ومن أبرزها الكسكس، الذي يُعتبر رمزًا للاحتفال. يعتبر هذا الطبق الأمازيغي التقليدي من الأطعمة الأساسية التي يتم تحضيرها في هذا اليوم وتقديمها للعائلة والأصدقاء.
بالإضافة إلى ذلك، الرقصات الشعبية مثل أحواش،
وهي نوع من الرقص الجماعي التقليدي، تعد جزءًا من الاحتفالات. كما تشهد المدن والقرى الأمازيغية تنظيم الأسواق والمعارض التي تعرض المنتجات التقليدية، مثل السجاد والمجوهرات والألبسة الأمازيغية.
رأس السنة الأمازيغية بين المغرب والجزائر
بين المغرب والجزائر، يتقاسم الشعبان الأمازيغ نفس الجذور الثقافية والتاريخية. ففي الجزائر، يُحتفل إيض يناير كذلك كعيد شعبي. لكن رغم ذلك، تظل هناك بعض الفروقات في طرق الاحتفال والتعبير عن الهوية الأمازيغية بين البلدين، خاصة مع الاختلافات السياسية والتاريخية بينهما.
ومع ذلك، يظل إيض يناير يوحد الأمازيغ في كلا البلدين، حيث يُظهرون التزامهم المشترك بالحفاظ على هويتهم الثقافية. ورغم الحواجز السياسية التي قد توجد بين المغرب والجزائر، يبقى إيض يناير بمثابة الرابط الثقافي الذي يعزز الوحدة بين الأمازيغ في المنطقة المغاربية.
رأس السنة الأمازيغية كجزء من الهوية الوطنية للمغرب و الجزائر
بفضل النضال المستمر من الأمازيغ في المغرب والجزائر، أصبح رأس السنة الأمازيغية اليوم عيدًا رسميًا يعكس الثقافة الأمازيغية العريقة في المنطقة المغاربية, رغم الخلاف السياسي الذي بينهم. ومن خلال البرلمان المغربي، الذي صادق على الاعتراف بهذا اليوم، أصبح هذا الاحتفال جزءًا من الوعي الجماعي للمغاربة والأمازيغ في جميع أنحاء العالم. الاحتفال بـ إيض يناير ليس مجرد طقس تقليدي، بل هو احتفال بالهوية، التراث، والنضال الذي يحقق الاعتراف بالمساواة بين الثقافات في المجتمع.
ففي هذا اليوم، يشترك المغاربة والأمازيغ في احتفال مشترك حول الكسكس وأحواش، ليُظهروا للعالم قوة التاريخ والثقافة الأمازيغية التي تستمر في التنمية والتقدم، وتظل مفتوحة على المستقبل، بعيدًا عن كل الحواجز والتحديات.